الإسلام... بين عصر الفضاء وعصر الحجابوهيب أيوب - ارشيف موقع جولاني
موقع جولاني


الإسلام... بين عصر الفضاء وعصر الحجاب
وهيب أيوب - مجدل شمس\الجولان - 06\05\2007
عن موقع فاتح المدرس

لا تُعادوا عِلماً من العلوم، أو تهجروا كتاباً من الكتب، ولا تتعصّبوا على مذهبٍ من المذاهب، لأن رأينا ومذهبنا يستغرق المذاهب كلّها ويجمع العلوم كلّها"
(إخوان الصفا)

منذ أيام، أعلن علماء الفلك عن اكتشافهم لكوكبٍ تُقارب درجة الحرارة عليه درجةَ حرارة كوكبنا الأرض، وهو يبعد مسافة عشرين سنة ضوئية عن كوكبنا "الكرويّ"... الكرويّ!!.. بخلاف ما أعلنه مفتي السعودية عام 1987، أي منذ عشرين سنة ميلادية فقط، من أن الأرض مسطّحة وهي مركز الكون ومن يقول خلاف ذلك هو كافرٌ وملحد، "اللهمَ ثبِّت علينا العقل والدين"!.
وفي حين ينشغل العالم بأحدث الاكتشافات الفلكية، تنهمك معظم الفضائيات العربية بحوارات ساخنة ومعارك ضارية مع مشايخ الإسلام والمفتين- وما أكثرهم في زماننا- حول مسألة الحجاب، والتي باتت اليوم أم المعارك بالنسبة للعرب والمسلمين؛ إضافةً إلى مسائل جوهرية أخرى، يتوقف عليها مستقبل الأمة، منها: لبس "البنطال"، قيادة المرأة للسيارة، كيفية دخول الحمام- بالقدم اليمنى أو اليسرى-، أو ما إذا كانت "التحميلة" التي يأخذها المرء عبر الشرج تفسد صيام المؤمن؟! ومسائل أخرى لا تقِّل أهمية ولا تقلل من اهتمام أئمة ومشايخ عصر الذرّة.
لقد ذكّرتني تلك الأمور بإحدى النوادر التي جرت مع المفكر الإسلامي الشيخ محمد عبده في بداية القرن العشرين، وكان عصر اختراع الطائرات، والقصة كما ترويها الكاتبة غادة السمّان هي كالآتي:
((وبينما الدنيا تركض في دروب العلم والفضاء، يتابع مثلاًَ تلميذ الشيخ محمد عبده طرح السؤال نفسه منذ نصف قرن أو ألف ليلة وليلة! إبريق المرحاض أيوضع على يمين المتوضئ أم إلى يساره؟ ويصرخ به الشيخ محمد عبده: يا ابن (الـ... ) بَقُلّك طاروا... بَقُلّك طاروا "مُشيراً إلى الطيران الأول في الغرب الذي تصادف يومَ طرحَ عليه تلميذه هذا السؤال")).
منذ نهاية القرن العاشر وحتى نهاية القرن الثامن عشر، أي حتى دخول نابليون بونابرت في حملته على مصر عام 1798، جرى انقطاع وعدم تواصل حضاري بين الغرب وبلاد العرب والمسلمين. أفاق العرب حينها على صدمة حضارية وفجوة هائلة تفصل بينهم وبين الغرب الذي كان قد قطع أشواطاً هائلة في مسيرة العلم والتطور والاكتشافات. حاول محمد علي باشا، الذي نُصِّب حاكماً على مصر بُعيد فشل حملة نابليون، استيعاب الصدمة واللحاق بركب التطور، فأرسل العديد من البعثات العلمية إلى فرنسا والدول الأوروبية الأخرى، بحيث اعْتُبرت تلك المرحلة، أي بداية الحملة الفرنسية، بمثابة بداية عصر النهضة في مصر وربما العالم العربي، وقد أثمرت جهود محمد علي عن بزوغ كوكبة من المتعلمين والمتنورين أمثال رفاعة الطهطاوي والأفغاني وم    حمد عبده وقاسم أمين ثم الكواكبي وعلي عبد الرازق وطه حسين وشبلي شميّل وفرح أنطون والشدياق وغيرهم كُثر. ولم تكد تبلغ مسيرة التطور تلك مراحلها الأولى حتى تصدى لها الأزهر ومشايخ الظلام، فحاكموا علي عبد الرازق على كتابه "الإسلام وأصول الحكم" ثم طه حسين على كتابه "في الشعر الجاهلي" تحت تهم التكفير والطعن بالإسلام والشريعة.
هكذا لعب الأزهر ومشايخه المتعصبون والغوغاء من الجهلاء الدور الأكبر في الارتداد نحو الخلف ودفن المنجزات التي أحرزها مُفكرو النهضة. وعلى ذاك المنوال، من حينها وحتى اليوم، يسير العالم قُدماً والعرب يُشَدّون نحو الخلف، وبتنا في الحضارة الحالية وعلى كل الصعد لا نمتلك، كعربٍ، أي مساهمة تُذكر لا في العلوم الطبيعية ولا الإنسانية ولا الاكتشافات على تنوعها، في الوقت الذي سجّلت فيه هنغاريا- وهي من دول المعسكر الاشتراكي سابقاً- من الاكتشافات العلمية 135 ألف براءة اختراع وحصلت على 15 جائزة نوبل وهي التي لا يتجاوز عدد سكانها العشرة ملايين.
والعرب اليوم يعانون من ثلاثة أنواع من الأمية، فهناك 100 مليون يجهلون القراءة والكتابة و200 مليون لا يقرؤون جريدة أو مجلة أو كتاب- فالعين ضريرة واليد قصيرة- إضافةًً إلى 95% لا يمتلكون ولا يتعاملون مع الوسائل المعرفية الإلكترونية "الحاسوب والإنترنت"، وتقول إحصاءات دور النشر في العالم العربي، أن أشهر الكتّاب لا يباع له أكثر من خمسة آلاف نسخة في أحسن الأحوال، وإحصائية أُخرى أوردها جورج طرابيشي في كتابه الأخير "هرطقات"- يذكر في مقدمته أن العرب دخلوا في عصور وسطى جديدة- يقول: إن المواطن الياباني يقرأ 144 ضعف ما يقرأه العربي؟!.
وما يدهشني في كل ذلك أنك تسمع الإسلاميين وسواهم على الفضائيات يصوِّرون الأمور وكأننا أنداد للغرب ولأمريكا وننازعهم حق السيادة على العالم، وعندما يسمع أحدنا الشيخ القرضاوي، وسواه، على "الجزيرة" يُزبد ويرعد ويهدد بابا الفاتيكان كي يتراجع عن تصريحاته، أو الدنمارك بسبب الرسوم الكاريكاتورية، يظن أن أساطيل المسلمين تحاصر روما وباريس بانتظار الإشارة من الشيخ القرضاوي أو عمرو خالد لبدء الهجوم فيما لو لم يرضخ الكافرون؟! وهم بجهلهم غافلون، أن المسافة فيما بيننا وبينهم باتت لا تقل عن المسافة التي تفصل الأرض عن الكوكب الجديد المُكتشف.

وهيب أيوب